فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن {يمشون على الأرض هونًا} قال: يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا. هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} قال: هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كان يقال: ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدًا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيًا، وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلمًا، وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلًا، وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. إنه قد كان بين أقوام يجمعون كثيرًا، ويبنون شديدًا، ويأملون بعيدًا، فأين هم؟ أصبح جمعهم بورًا، وأصبح عملهم غرورًا، وأصبحت مساكنهم قبورًا.
ابن آدم إنك مرتهن بعملك، وأنت على أجلك معروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير. يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.
يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم: خالطهم ببدنك، وزايلهم بقلبك وعملك.
يا ابن آدم أتحب أن تذكر بحسناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك، وتبغض على الظن وتقيم على اليقين. وكان يقال: أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها وافضاء بعينها خشعت لذلك قلوبهم، وأبدانهم، وأبصارهم، كنت والله إذا رأيتهم قومًا كأنهم رأي عين. والله ما كانوا بأهل جدل وباطل، ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به، فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا} قال: الحسن والهون في كلام العرب: اللين والسكينة والوقار {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا. يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون.
ثم ذكر ليلهم خير ليل قال: {والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا} ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجدًا لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفًا من ربهم. قال الحسن: لأمر مّا سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا} قال: كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام، إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض، قال: صدق القوم. والله الذي لا إله إلا هو فعلوا ولم يتمنوا. فاياكم وهذه الأماني يرحمكم الله! فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيرًا في الدنيا والآخرة قط. وكان يقول: يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة!
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {إن عذابها كان غرامًا} قال: الدائم.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {إن عذابها كان غرامًا} قال: ملازمًا شديدًا كلزوم الغريم الغريم قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول بشر بن أبي حازم؟
ويوم النسار ويوم الجفار ** كانا عذابًا وكانا غرامًا

وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {كان غرامًا} ما الغرام؟ قال: المولع. قال فيه الشاعر:
وما أكلة إن نلتها بغنيمة ** ولا جوعة إن جعتها بغرام

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إن عذابها كان غرامًا} قال: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: هم المؤمنون. لا يسرفون فيقعوا في معصية الله، ولا يقترون فيمنعون حقوق الله.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {ولم يقتروا} بنصب الياء ورفع التاء.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: الاسراف النفقة في معصية الله، والاقتار الامساك عن حق الله قال: وإن الله قد فاء لكم فيئة فانتهوا إلى فيئة الله. قال في المنفق {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا} [الأحزاب: 70] قال: قولوا صدقًا عدلًا. وقال للمؤمنين {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور: 30] عما لا يحل لهم. وقال في الاستماع {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18] وأحسنه طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله: {لم يسرفوا ولم يقتروا} قال لا ينفقه في باطل ولا يمنعه من حق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا} قال: أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعامًا يريدون به نعيمًا، ولا يلبسون ثوبًا يريدون به جمالًا، كانت قلوبهم على قلب واحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: {بين ذلك قوامًا} قال: عدلًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال: {القوام} أن لا تنفق من غير حق، ولا تمسك من حق هو عليك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن وهب بن منبه {وكان بين ذلك قوامًا} قال: الشطر من أموالهم.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن مرة الجعفي قال: العلم خير من العمل، والحسنة بين السيئتين. يعني إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وخير الأمور أوساطها.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن في قوله: {لم يسرفوا ولم يقتروا} أن عمر بن الخطاب قال: كفى سرفًا أن الرجل لا يشتهي شيئًا إلا اشتراه فأكله.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من فقه الرجل رفقه في معيشته». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَعِبَادُ الرحمن} رفعٌ بالابتداءِ. وفي خبره وجهان، أحدهما: الجملةُ الأخيرةُ في آخرِ السورة: {أولئك يُجْزَوْنَ} [الآية: 75] وبه بَدَأ الزمخشريُّ. {والذين يَمْشُون} وما بعده صفاتٌ للمبتدأ. والثاني: أنَّ الخبرَ {يَمْشُوْن}. العامَّةُ على {عباد}. واليماني {عُبَّاد} بضمِّ العين، وشدِّ الباءِ جمع عابد. والحسن {عُبُد} بضمتين.
والعامَّةُ {يَمْشُوْن} بالتخفيفِ مبنيًا للفاعل. واليماني والسُلميُّ بالتشديد مبنيًا للمفعول.
قوله: {هَوْنًا} إمَّا نعتُ مصدرٍ أي: مَشْيًا هَوْنًا، وإمَّا حالٌ أي: هَيِّنِيْن. والهَوْن: اللِّيْنُ والرِّفْقُ.
قوله: {سَلاَمًا} يجوز أن ينتصبَ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: نُسَلِّم سَلامًا، أو نُسَلِّمُ تَسْليمًا منكم لا نُجاهِلكم، فأُقيم السِّلام مُقامَ التسليمِ. ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ على المفعول به أي: قالُوا هذا اللفظَ. قال الزمخشري: أي قالوا سَدادًا مِنَ القولِ يَسْلَمُوْن فيه من الأذى. والمرادُ سَلامُهم من السَّفَهِ كقوله:
ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا ** فنجهلَ فوقَ جَهْلِ الجاهِلينا

ورَجَّح سيبويه أنَّ المرادَ بالسَّلام السَّلامةُ لا التسليمُ؛ لأنَّ المؤمنين لم يُؤْمَروا قَطُّ بالتسليم على الكفرة، وإنما أُمِروا بالمُسالَمَةِ، ثم نُسِخَ ذلك، ولم يَذْكُرْ سيبويهِ في كتابِه نَسْخًا إلاَّ في هذه الآيةِ.
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)}.
قوله: {سُجَّدًا} خبرُ {يَبِيْتُون} ويَضْعُفُ أَنْ تكونَ تامةَ. أي: دَخَلوا في البَيات. و{سُجَّدًا} حال. و{لربِّهم} متعلقٌ بسُجَّدًا وقَدَّمَ السجودَ على القيام، وإن كان بعدَه في الفعلِ لاتفاق الفواصل. وسُجَّدًا جمعُ ساجِد كضُرِّب في ضارِب. وقرأ أبو البرهسم {سُجودًا} بزنة قُعُود. و{يَبِيْتُ} هي اللغةُ الفاشيةُ، وأَزْدُ السَّراة وبُجَيْلَة يقولون: يَباتُ وهي لغةُ العوامِّ اليوم.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)}.
قوله: {غَرَامًا} أي: لازمًِا دائمًا. وعن الحسن: كلُّ غَريمٍ يفارِقُ غَريمه إلاَّ غريمَ جهنَّمَ. وأنشدُوا قولَ بشر بن أبي خازم:
ويومُ النِّسَارِ ويومُ الجِفا ** رِ كانا عَذابًا وكانا غَراما

وقال الأعشى:
إن يُعاقِبْ يكُنْ غَرامًا وإنْ يُع ** طِ جَزِيلًا فإنَّه لا يُبالي

ف {غرامًا} بمعنى لازم.
{إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)}.
قوله: {سَاءَتْ} يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى أَخْزَنَتْ فتكونَ متصرفةً، ناصبةً المفعولَ به، وهو هنا محذوفٌ أي: إنها أي: جهنَم أَحْزَنَتْ أصحابَها وداخليها. ومُسْتقرًا: يجوزُ أن يكونَ تمييزًا، وأَنْ يكونَ حالًا. ويجوز أَنْ تكونَ {ساءَتْ} بمعنى بِئْسَتْ فتعطى حكمَها. ويكونُ المخصوصُ محذوفًا. وفي ساءَتْ ضميرٌ مبهمٌ. و{مُسْتَقَرًا} يتعيَّنُ أنْ يكونَ تمييزًا أي: ساءَتْ هي. فهي مخصوصٌ. وهو الرابطُ بين هذه الجملةِ وبين ما وَقَعَتْ خبرًا عنه، وهو {إنَّها}، وكذا قَدَّره الشيخ. وقال أبو البقاء: {ومُسْتَقَرًَّا} تمييزٌ. وساءَتْ بمعنى بِئْسَ. فإن قيلَ: يَلْزَمُ من هذا إشكالٌ، وذلك أنه يَلْزَمُ تأنيثُ فعلِ الفاعلِ المذكَّرِ مِنْ غيرِ مُسَوِّغٍ لذلك، فإنَّ الفاعلَ في {ساءَتْ} على هذا يكون ضميرًا عائدًا على ما بعدَه، وهو {مُسْتقرًا ومُقامًا}، وهما مذكَّران فمِنْ أين جاء التأنيثُ؟ والجوابُ: أن المستقرَّ عبارةٌ عن جهنَّمَ فلِذلك جاز تأنيثُ فِعْلِه. ومثلُه قولُه:
أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَبْجاءُ مُجْفَرَةٌ ** دعائمُ الزَّوْرِ نعْمَتْ زَوْرَقُ البلدِ

ومُسْتقرًا ومُقامًا: قيل: مُترادفان، وعُطِفَ أحدُهما على الآخر لاختلافِ لَفْظَيْهما. وقيل: بل هما مختلفا المعنى، فالمستقرُّ: للعُصاةِ فإنهم يَخْرُجون. والمُقام: للكفَّارِ فإنَّهم يَخْلُدون.
وقرأت فرقةُ {مَقامًا} بفتح الميم أي: مكانَ قيامِ. وقراءةُ العامَّةِ هي المطابِقَةُ للمعنى أي: مكانَ إقامةٍ وثُوِيّ وقوله: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} يُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ كلامِهم، فتكونَ منصوبةً المحلِّ بالقول، وأَنْ تكونَ مِنْ كلامِ اللهَ تعالى.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}.
قوله: {وَلَمْ يَقْتُرُواْ} قرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء وابن كثير وأبو عمرٍو بالفتحِ والكسرِ. ونافع وابن عامر بالضم والكسر مِنْ أَقْتَرَ. وعليه {وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ} [البقرة: 236]. وأنكر أبو حاتم أقتر وقال: لا يُناسِب هنا فإنَّ أَقْتَرَ بمعنى افتقر، ومنه {وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ}. ورُدَّ عليه: بأن الأصمعيَّ وغيرَه حَكَوْا أَقْتَرَ بمعنى ضَيَّق. وقرأ العلاء بن سيابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسرِ التاء المشددةِ في قَتَّر بمعنى ضَيَّق.
قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} في اسم كان وجهان، أشهرهما: أنه ضميرٌ يعودُ على الإِنفاقِ المفهومِ مِنْ قوله: {أَنْفَقُوا} أي: وكان إنفاقُهم مُسْتويًا قَصْدًا لا إسرافًا ولا تَقْتيرًا. وفي خبرِها وجهان. أحدُهما: هو قَوامًا و{بينَ ذلك} إمَّا معمولٌ له، وإمَّا ل {كان} عند مَنْ يرى إعمالَها في الظرف، وإمَّا لمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {قَواما}. ويجوزُ أَنْ يكونَ {بين ذلك قوامًا} خبرَيْن ل {كان} عند مَنْ يرى ذلك، وهم الجمهور خلافًا لابن دُرُسْتَوَيْه. الثاني: أن الخبرَ {بين ذلك} و{قَوامًا} حالٌ مؤكدةٌ.
والثاني: من الوجهين الأَوَّلين: أَنْ يكونَ اسمُها {بين ذلك} وبُني لإضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍ، و{قوامًا} خبرُها. قاله الفراء. قال الزمخشري: وهو من جهةِ الإِعرابِ لا بأسَ به، ولكنه من جهةِ المعنى ليس بقويٍ، لأنَّ ما بينَ الإِسْرافِ والتَّقْتيرِ قَوامٌ لا مَحالةَ، فليس في الخبر الذي هو معتمدُ الفائدةِ فائدةٌ. قلت: هو يُشْبِهُ قولَك كان سيدُ الجارية مالكَها.
وقرأ حسان بن عبد الرحمن {قِواما} بالكسرِ فقيل: هما بمعنىً. وقيل: بالكسرِ اسمُ ما يُقام به الشيءُ. وقيل: بمعنى سَدادًا ومِلاكًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)}.